معهد القطن .. ”الفتلة” المعجزة
بقلم محمود البرغوثي الأرضالتحية واجبة لمعهد بحوث القطن التابع لمركز البحوث الزراعية، وعلمائه وباحثيه الأجلاء، للنتائج التي منها ظهور بشائر العودة المبهجة لقافلة تتويج مصر على عرش "الذهب الأبيض" مرة أخرى.
التحية ليست فقط لبلوغ سعر القنطار هذا العام 4600 جنيه، وهو سعر قياسي، سواء خلال عهود التتويج الزائلة، ما قبل عام 2000، أو قبل تحرير سعر صرف الجنيه، ولكن التحية الرفيعة لنجاح علماء المعهد في إنتاج "فتلة" يبلغ طولها (24 كيلو مترا)، بنصف السمك المسجل سابقا للفتلة المسجلة سابقا كصاحبة لقب "أطول وأنعم فتلة" للقطن المصري فائق الطويل، شديد النعومة.
ما قصة الفتلة الخرافية في زمن فقدنا فيه أمل التراجع خطوتين للخلف، بحثا عن أول الخيط الرفيع الذي ظنناه ضاع منا إلى غير رجعة؟
اقرأ أيضاً
- الزراعة : بيع 167530 قنطار قطن في 10 محافظات ضمن المنظومة الجديدة
- وزير الزراعة: منظومة تسويق القطن الجديدة نجحت في تحقيق أسعار مناسبة للمزراعين
- الزراعة تسويق 343 ألف قنطار قطن بأسعار تجاوزت 8200 جنية للقنطار
- زراعة المنوفية تورد قطن جيزة 97 بمساحة 3482 فدان و12 قيراط
- ارتفاع سعر بيع قنطار القطن اليوم بمحافظات الوجه البحري
- أسعار الاقطان تسجل 4580 للقنطار في المزاد العلني اليوم بمحافظتي دمياط والغربية
- القطن المصري يخوض تجربة تصديرية مميزة بأسواق دول الفرانكفونية
- الشراكي ينعى مزارعي قطن 2022
- «بحوث القطن» ينظم زيارة لـ «20» متدرب أفريقي لمصانع الغزل والنسيج
- زراعة الشرقية : سعر قنطار القطن اليوم يترواح بين 3891 إلى 4260 جنيه
- تفاصيل التعاون العلمي بين مصر وبنجلاديش في مجال تطوير الأقطان
- الزراعة تنظم دورة تدريبية حول إنتاج وتكنولوجيا القطن بمشاركة 13 دولة إفريقية
القصة تعود إلى نحو ستة أعوام فقط، حينما كلف مجلس وزراء مصر - بتوجيه رئاسي، قسم الإعلام فيه، بجمع كل ما يُقال أو يُكتب عن القطن وعرشه المفقود، حينما بلغ التردي إلى ما دون 200 ألف فدان قطن في المحروسة، إذ بلغت المساحة المنزرعة في مصر خلال موسم 2020، نحو 183 ألف فدان فقط، أنتحت أقل من المليون قنطار، بعد أن كانت المساحة في التسعينيات تُراوح مليوني فدان، وكانت بقايا الندف البيضاء في الحطب على سطوح بيوت الفلاحين وأجرانهم، تتخطى حاجز المليون قنطار.
جمع مجلس الوزراء معلومات كافية عن "الذهب" الضائع، وانتقل الملف إلى غرفة عمليات الرئاسة، وكانت ضربة البداية بالبحث عن احتياجات السوق من السلعة، (الكميات المطلوبة، والنوعية، وكيفية تجهيزها للبيع، قبل إنتاجها).
وكيفية التجهيز للبيع قبل الإنتاج، كانت الحد الفاصل، الذي حكم به الرئيس السيسي مشهد الصادرات المصرية إجمالا، معلقا في تساؤل واضح: لماذا نصدِّر الخام، إذا كنا نملك فنون تصنيعه، لتبدأ آليات التنفيذ بحلقاتها المتداخلة والمتشابكة، بداية من "التجارة الخارجية"، وتوازيا مع "قطاع الأعمال" و"الاستثمار"، وبتمويل "الخزانة العامة"، ليشهد الرئيس بنفسه أعمال تطوير محالج وخطوط غزول ونسج القطن المصري بأنواعه (القصير - الطويل - فائق الطول).
ومع زراعة مصر 237 ألف فدان قطن هذا الموسم، بزيادة نحو 54 ألف فدان عن الموسم السابق، وزيادة متوسط الإنتاجية عن العام الماضي ليصل إلى 8.5 قنطار/ فدان، بدلا من 8.2 قنطار/ فدان في 2020، يرتفع سعر قنطار القطن إلى نحو الضعف، ما يشير إلى عدة أسباب وراء هذه النقلة التي تخبط أذهان المنظرين، وتضخ الأمل في شرايين المحبَطين.
واختزالا، تؤكد مؤشرات واقعية، أن مصر لن تحتاج مرة أخرى إلى المشاكل التي حكمت سوق القطن العالمية موسم 2020، لنجني فائدة مصائب الآخرين.
نعم زاد الطلب على القطن المصري في 2020، وتم سحبه لآخر "ندفة"، بسبب عدة مشاكل عالمية، منها امتناع أمريكا عن شراء قطن الصين لاستخدام عمالة الأطفال في جنيه، وتراجع محصول اليونان بسبب سوء المناخ، وكما أسلفنا لن نحتاج إلى استمرارهن المشاكل حتى يبيع فلاحونا أقطانهم كلها، وبأسعار تضمن الربحية، وفقا للمادة 39 من الدستور.
والسبب هو تحقق ما صاح به وكتبه ودونه آلاف من العارفين المصريين بالاقتصاد، عدة عقود سابقة، خاصة: مفهوم "القيمة المضافة"، وذلك بالتصنيع القائم على مخرجات الزراعة، وفي باب القطن، لم يكن هناك بد من تطوير مصانع النسيج القديمة في المحلة، ليفاجئنا الرئيس السيسي بمنطقة "الروبيكي" المصرية، التي ستمتص القطن المصري، قبل أن تكتمل أعمال تطوير خطوط شركة مصر للغزل والنسيج في المحلة.
وما يثلج الصدر احتفالا ببشائر موكب القطن العائد، أن وزارة القوى العاملة ساهمت في تجهيز الاحتفالية بتدريب أكثر من 150 ألف عامل من "غزل المحلة" على تكنولوجيا الماكينات الإلكترونية الحديثة، والمذهل أن ماكينات "غزل المحلة" مع خطوط "الروبيكي" كلها لغزل ونسيج "طويلة التيلة".
عودة إلى "الفتلة المعجزة"، تواصلت الجهود المضنية في خلايا معهد القطن، حتى أُعلِن رسميا عن إنتاج فتلة بطول 24 كيلو مترا، من "رطل قطن" أي من 454 جرام قطن، بسمك يبلغ نصف سمك الفتلة السابقة لها، التي توقف طولها عند 12 كم فقط، مع احتفاظ الجديدة بقوة الشد والمتانة التي سجلتها سابقتها.
والجديد الذي يستحق التحية لعلماء معهد القطن الأجلاء، ما سوف يُكشَف عنه الستار خلال موسمين فقط، من الإنتاج التجاري للقطن الملون (الأخضر والذهبي)، بنوعية فاخرة "أورجانيك"، تتصارع عليه سرا في هذه الأيام، بيوت الأزياء العالمية، التي لن تخجل أيضا حين ترفع القبعة لعلماء وباحثي الذهب الأبيض في مصر، وربما يكترثون فعلا أم الغزو الجديد للعلامة التجارية المصرية "بيت" أو "bith”، والتي سجلتها مصر كاسم فرعوني لصادراتها القريبة من منسوجات وملبوسات "صنع في مصر" أو made in egypt.