النفط الليبي الورقة الرابحة
الأرضلا تزال ليبيا تعيش واقع إنعدام الأمن والفوضى على الأرض والنزاع والصراع بين أزقتها السياسية. في حين لم تتحقق أحلام الليبيين بإجراء إنتخابات رئاسية أواخر العام الماضي بسبب عوامل عديدة تعود جميعها الى التدخل الغربي السافر بشؤونها الداخلية وفرض أجندات بعيدة كل البعد عن طموحات الشعب الليبي.
مما أشعل فتيل الإحتجاجات الشعبية والمظاهرات التي عمت مختلف المدن الليبية من شرقها الى غربها وشمالها إلى جنوبها، بعدما ضاقت الحال كثيراً جراء سياسات حكومة طرابلس بقيادة عبدالحميد الدبيبة الفاشلة، وتسلط شخصيات فاسدة على النفط والمال الليبي، تزامناً مع محاولات مجلس النواب الليبي التي لم يكتب لها النجاح، بإقصاء هذه العوامل المهلكة للوطن والمواطن عن إدارة الدولة.
فإن تبعية البعض، وتلقيهم الدعم والحماية، تجعلهم متربصين على نفوس الشعب الليبي. حيث أن العديد ممن يديرون دفة السلطة في العاصمة طرابلس هم أدوات بيد الأمريكان، وضعت الأمريكية ستيفاني ويليامز احد الاسماء في مؤتمر الحوار الوطني، ذلك و رئيس مؤسسة النفط الوطنية وشريكه الصديق الكبير رئيس مصرف ليبيا المركزي، يتربعون على عروشهم رغم جميع التغيرات التي حصلت في البلاد على مدار عشر سنوات.
وبحسب المراقبين للشأن الليبي، فإن الغرب، هو السبب الأول والرئيسي في إفقار الشعب الليبي، عبر سيطرته على قرارات الأمم المتحدة، وتحريك أدواته بما يخدم مصالحها في إستمرار تدفق النفط الليبي ونهب موارده، وإدامة حالة الفوضى والنزاع السياسي في البلاد عبر بث الفتن والتحريض على الكراهية، لتبقى مسيطرة على قرارات ليبيا السيادية.
وفي آخر ما توصلت إليه الإدارة الأمريكية لتطبيق أجندتها المعادية للشعب الليبي، مقترح السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نولارند، حول إدارة عائدات النفط، والذي يعدّ نسخة معدلة من "برنامج النفط مقابل الغذاء" سيء السمعة الذي فُرض على العراق عام 1995 لحرمانه من حرية إدارة واستخدام عائداته النفطية.
المقترح الذي لاقى رفضاً شعبياً وقوبل بالانتقاد من قبل الكثير؛ لأنه قد يؤدي إلى تقسيم البلاد على طول مناطقها الجغرافية، في حين أن البعض يدعم هذا الاقتراح، ولا يبالي بما سيحدث لمستقبل البلاد في حال سقطت كُلياً بيد واشنطن وحلفائها الغربيين.
وسبق وأن أفاد موقع "ميدل آيست مونتير" في تقرير مفصل له، بأن مقترح نورلاند يتجاوز بكثير عملية تقاسم عائدات النفط بين الليبيين بالتساوي، وإذا نٌفذ فيعني تجريد الدولة الليبية ومؤسساتها السيادية ذات الصلة من الحرية مثل البنك المركزي وديوان المحاسبة في التعامل مع أموال النفط.
وأضاف الموقع، أن فكرة "نورلاند"، التي أطلق عليها اسم "مصطفى" باللغة العربية، تفتقر إلى الوضوح ولم يُذكر سوى القليل لتوضيحها، مشيراً إلى أن الهدف من هذا المقترح هو حرمان الميليشيات من التمويل الذي كانت تتمتع به على مر السنين من خلال دعمها الأسمي وأحيانًا ابتزاز الحكومات المتعاقبة التي وصلت إلى السلطة في ليبيا على مدى العقد الماضي، ولكنه أيضاً محاولة واضحة لحرمان الدولة الليبية من اتخاذ قراراتها السيادية بشأن مواردها ببساطة عن طريق تسليمها إلى القوى الأجنبية.
يُشار إلى أن برنامج النفط مقابل الغداء الذي فرض على العراق والذي أصبح في نهاية المطاف بيروقراطية فاسدة للغاية، أدى إلى مقتل مئات الآلاف من العراقيين، حيث إزداد المزيد منهم فقراً وأصبحوا غير قادرين على تحمل تكاليف الغذاء والدواء. ففي ظل هذه الآلية، لم يكن العراق قادراً على شراء احتياجاته دون موافقة إدارة البرنامج، التي عادة ما تحقق في كل عملية شراء بما في ذلك حليب الأطفال والضروريات الأساسية الأخرى.
من جهة أخرى، يرى مركز الأبحاث العلمية في القاهرة، بأن ليبيا تصدُّرت المركز الثاني بقائمة الدول المصدّرة لخام النفط في أفريقيا خلال العام الماضي، وعليها تحويل إنتاجها الى الداخل الإفريقي بدلاً من أوروبا، لتحقق إستقلالها عن الأجندة الأمريكية ووسائل ضغطها القذرة. لأن العديد من الدول الإفريقية المجاورة لليبيا كنيجيريا وتشاد والسودان وغيرها، منتجة للنفط لكنها لا تستطيع تكريره، وتستورد غالبية حاجاتها من مشتقاته من دول الغرب.
وليبيا بدورها، تستطيع تغطية حاجة هذه الدول الإفريقية إذا ما سارعت بالعمل على إصلاح المصافي المتوقفة عن العمل وتطوير العاملة منها. فمصفاة رأس لانوف مثلاً أكبر المصافي الليبية بسعة 220 ألف برميل يوميًا خارج نطاق العمل، في حين توجد مصافي أخرى كمصفاة الزاوية بطاقة 120 ألف برميل يومياً، إضافةً الى مصفاتي السرير وطبرق بطاقة إنتاجية تصل الى 30 ألف برميل يومياً.
وبالتالي فإن الإمكانات التي تملكها ليبيا كبيرة وتجعلها مستقلة ذاتياً، ويمكنها أن تسلخها عن إرادة الغرب، إذا ما غاب الفاسدون فيها عن المشهد السياسي، وإستطاع الليبييون القضاء عليها وإبعادها عن مستقبل البلاد.