الدكتور أسامة سلام يكتب عن التقشــــــــف المائي
بقلم د. أسامة سلام الأرضخلال السنوات الثلاثين الماضية، وٌضعت مؤشرات كثيرة لتقييم وضع الموارد المائية (مثل ندرة المياه أو الإجهاد المائي وغيرها) ويعتبر نصيب الفرد من المياه المتجددة والمتاحة للاستخدام للدولة هو أشهر هذه المؤشرات حيث يتم قسمة كمية المياه المتاحة والمتجددة على عدد السكان, وعندما يزيد نصيب الفرد عن 1700 متر مكعب في السنة فتعتبر هذه الدولة ذات وفرة مائية في حين إذا كان نصيب الفرد يتراوح بين 1700 و1000 متر مكعب في السنة فان هذه الدولة تعاني من اجهاد مائي أما اذا كان نصيب الفرد يتراوح بين 1000 و 500 متر مكعب في السنة فان هذه الدولة تعاني من ندرة مائية أما إذا قل نصيب الفرد عن 500 متر مكعب في السنة فانه يمكن القول أن هذه الدولة تعاني من ندرة مائية مطلقة وقد تم اعتبار الرقم 1000 متر مكعب في السنة كنصيب للفرد من الموارد المائية المتجددة المتاحة هو حد الفقر المائي وبتطبيق هذا المؤشر على مصر وحيث أن الموارد المائية المتجددة المتاحة حوالي 56.8 مليار متر مكعب في السنة وبفرض عدد السكان حوالي 105 مليون نسمة يكون نصيب الفرد حوالي 540 متر مكعب سنوي أي أن مصر تخطت خط الفقر المائي متجهة إلى حالة الندرة المائية وفي خلال سنوات قليلة جدا ستصل لحد الندرة المطلقة. وهو ما يجعل مصر غير قادرة على تلبية المتطلبات المعيشية للمواطنين وتحقيق الأمن الغذائي ومن ثم تتجه لاستيراد الغذاء.
موارد مصر المائية متعددة منها التقليدية وغير التقليدية ويعتبر نهر النيل هو المصدر الأساسي للمياه كمصدر تقليدي حيث تمثل مياه النيل أكثر من 95% من إجمالي موارد مصر المائية وتأتي الأمطار كمصدر تقليدي آخر بكمية بسيطة جدا لاتزيد عن 1.5 مليار سنويا على أكثر التقديرات وتعتبر المياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة من ضمن المصادر التقليدية أيضا. أما المصادر غير التقليدية فهي اعادة استعمال مياه الصرف الزراعي واعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وتحلية مياه البحر. وتلبي مصر جزء كبير من احتياجها باعادة تدوير واستخدام مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي المعالجة وتحلية مياه البحر أما الجزء المتبقي فتتجه الدوله لاستيراده على هيئة محاصيل زراعية وحبوب ومنتجات زيوت ولحوم فيما يعرف بالمياه الافتراضية.
المياه الجوفية في مصر ذات أهمية عظيمة حيث تتواجد في الصحاري والتي يصعب وصول مياه النيل إليها ومصر لديها خزانات مياه جوفية عديدة تغطي كامل المساحة منها: خزان الحجر الرملي النوبي وخزان المغرة والخزان الساحلي ثم خزان دلتا النيل والوادي ويتم السحب من هذه الخزانات مجتمعة في حدود من 8 الى 9 مليار سنويا والجزء الأكبر من هذه الكمية يتم سحبة من خزان الدلتا والوادي حيث يتسم هذا الخزان بأنه متجدد بسبب تغذيته من خلال مياه النيل سواء عن طريق الري أو التسرب المباشر من الترع والقنوات أما خزان الحجر الرملي النوبي فيتواجد به كميات محترمة من المياه الجوفية ذات الجودة العالية ولكنه غير متجدد وبالتالي يجب السحب منه في اطار خطط مدروسة حتى لاينفذ وتتدهور نوعيته.
اقرأ أيضاً
مع دخول مصر مرحلة الندرة المطلقة للموارد المائية لذا فهذه المرحلة الحرجة تتطلب اتخاذ المزيد من الخطط التقشفية في مجال المياه سواء في إدارة الموارد او إدارة الطلب ومن هذه الخطط:
• سرعة وتنفيذ الخطط والمشروعات الاستثمارية المنبثقة عن الاستراتيجية المائية للعشرين سنة القادمة والتي أطلقتها الحكومة وتتضمن أربعة محاور هي تحسين نوعية المياه المتاحة وتنمية الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية بالإضافة الى ترشيد الاستخدامات وأخيرا تأهيل البيئة المناسبة من قوانين وتوعية وخلافة
• تحسين نوعية المياه تتضمن مشروعات ضرورية وحتمية لمعالجة مياه الصرف الصحي في كامل القرى والتي من المتوقع أن تصل نسبة التغطية بها أكثر من 50% في غضون 4 أو5 سنوات قادمة بالإضافة إلى تطوير منظومة جمع المخلفات والقمامة والتي يتم التخلص منها في المجاري المائية وترشيد استخدام الأسمدة والمبيدات ومنع صرف المخلفات الصناعية على المجاري المائية.
• تنمية الموارد المائية غير التقليدية فلا يوجد بد من الاعتماد على تحلية مياه البحر لتغطية احتياجات المدن الساحلية من المياه المنزلية ومياه الشرب وبالفعل هناك نشاط ملحوظ في هذا الاتجاه حيث تم الانتهاء من انشاء عدد من محطات التحلية بجنوب سيناء والبحر الاحمر ومرسى مطروح. كذلك إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والتي يمكن أن تصل إلى حوالي 10 مليار متر مكعب في السنة حال معالجتها وهذا بالطبع يتطلب تكلفة عالية ولكنها ضرورية حيث تقدر هذه المياه عند إعادة استخدامها بحوالي 17% من اجمالي المياه المتجددة المتاحة وهذا مصدر غير تقليدي وحيوي ومهم ولا يمكن اهماله وكذلك هناك إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والتي من المتوقع أن تصل نسبتها لحوالي 40% من اجمالي المياه المتجددة المتاحة (أكثر من 20 مليار متر مكعب في السنة) في غضون سنوات قليلة.
• من الضروري الاستفادة الممكنة من مياه السيول والأمطار والتي تقدر بنحو 1.3-1.5 مليار متر مكعب سنويًّا، من خلال التوسع في إنشاء السدود والخزانات لتجميع هذه المياه، واستخدامها في الشرب أو الزراعة. بالاضافة إلى أنه يمكن زيادة حصة مصر من مياه النيل إذا تم حصد فواقد مياه النيل الأبيض في مناطق المستنقعات عن طريق إحياء مشروع جونجلي والمشروعات الأخرى.
• المستخدم الأكبر للمياه في مصر هو القطاع الزراعي يليه القطاع المنزلي ومن ثم يكون الترشيد في هذين القطاعين مؤثر جدا فعلى سبيل المثال فإن تطوير نظم الري في الأراضي القديمة بجنوب الدلتا ووادي النيل وكذلك في الأراضي المستصلحة حديثا ستزيد الإنتاجية الزراعية بأكثر من 30% وقد تصل إلى 50% لبعض نظم الري ولبعض المحاصيل.
• في القطاع المنزلي فمن الضروري تقليل التسربات والفواقد في شبكات نقل المياه المنزلية وكذلك الوقف بشدة امام الإهدار والاستخدام غير الرسمي لهذا المصدر مع ضرورة تفعيل وسائل التفتيش لمنع اهدار المياه في الشوارع .
• بخصوص الترشيد فالقطاع الزراعي يحتاج لنقلة كبيرة باتجاه النظم الزراعية الحديثة واختيار المحاصيل ذات المردود الجيد من حيث استخدام المياه والانتاجية مما يتطلب عودة المرشد الزراعي بصورة أكثر تطورا ليتماشى مع متطلبات الزراعات الحديثة. أيضا من أهم أدوات ترشيد وحسن استخدام المياه في الزراعة هو العمل على تجميع الزمامات الزراعية في القرى وتطوير نظم الري بها لمجابهة ما تعانيه الأراضي القديمة بالدلتا والوادي من تفتت الملكية الزراعية مما يزيد من هدر المياه ويقلل من الإنتاجية الزراعية على أن يتم ذلك في إطار تشريع ما.
• المياه سلعة لا تباع طبقا لمواثيق الأمم المتحددة وللدستور وانما قد يتم تحصيل بعض الرسوم مقابل توصيل أو معالجة المياه لبعض الاستخدامات وأرى أنه لابد من تقديم كافة الحوافز الممكنة للفلاح من مدخلات الزراعة ووسائل الارشاد الحديث وتحسين وضبط حالة السوق ضمن منظومة تسويق ذكية تضمن ربح معقول للمزارع وسعر مناسب للمستهلك وبعد تقديم كافة هذه الحوافز من الممكن وضع غرامات اهدار وسوء استخدام للمياه.
الدكتور أسامة سلام
خبير موارد مائية بهيئة البيئة أبوظبي