تكريم ”يوسف والي” .. عيار مفرح في هواء ملوث
بقلم محمود البرغوثي الأرضلو بحثنا عن صورة لسوزان مبارك في اجتماع عائلي لها، أثناء إدارتها الفاشلة لثورة 25 يناير، لوجدنا أن نظرة دهشة لها مما حدث لسفينة أحلامها، تجسد العقاب الرباني الذي نزل بها، جراء ما فعلته مع "سيادة النائب"، وهو اللقب الذي يكفي إذا ذكرته .. فيكون صاحبه "يوسف والي".
طلبته سوزان ذات يوم بالهاتف الأرضي .. رن الجرس طويلا، وحين رفع "والي" السماعة دار هذا الحوار:
- ازيك يا سيادة النائب
* أهلا يا هانم .. الحمد لله
- عاوزة أسأل سيادتك سؤال وتجاوبني بوضوح؟
* اتفضلي يا هانم
- إيه رأيك في ابننا جمال؟
* خيرة الشباب يا هانم .. ربنا يبارك في علمه وأدبه
- ياسيادة النائب عاوزة إجابة محددة؟
* على أي سؤال يا هانم؟
- رأيك في ابننا جمال كرئيس بعد سيادة الريس؟
* ماشاء الله عليه .. علم .. وثقافة .. وأدب .. وأخلاق .. بس ..
- (بعصبية وحدة صوتية) بس إيه يا سيادة النائب؟
* ياهانم ابننا جمال لازم يوصل وصول طبيعي للقيادة العليا للحزب، ثم يرشحه الحزب وفقا للدستور، وحينها يفعل الله ما يريد.
- شكرا يا دكتور (ليس يا سيادة النائب) كما كان ينادى به من أول مبارك حتى سائقه.
ثم أُغلِق الخط في وجهه، لتنفتح قنوات وصحف الشياطين على كل مصاريعها، بأوامر الهانم، وبتخطيط "فهمي" الذي هو صفوت الشريف، وبمساعدة فريق من الصحفيين الأحياء حتى الساعة "عند أربابهم يرزقون".
** لم يجد فريق التشويه التاريخي للسيد الأستاذ الدكتور يوسف والي، نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة وقتها، مادة يبنون عليها خطتهم، سوى الهاجس الصحي، فدبروا شائعة "المبيدات المسرطنة".
** ولحكمة الرئيس مبارك، وثقته في أن "كيد النسا" هو وقود المعركة على "والي"، كان يصدر تعليمات مباشرة بعدم المساس بالرجل.
لكن مبارك نفسه، اضطر لتهدئة ردود الأفعال الشعبية الغاضبة لحملة "سوزان - صفوت - كوبري - مجدي أحمد حسين"، اضطر لاستئذان "سيادة النائب" في أن يستريح من عناء المنصب المباشر، وليعمل كما هو من وراء ستار.
** لم يفلح مبارك وقتها أيضا في إسناد حقيبة الزراعة لرجل من تلامذة "والي"، لكنه رضخ لترشيحات شيطانية بإسناد المهمة إلى المهندس أحمد الليثي، الذي أجهز على الرجل بتهمة المبيدات المسرطنة، وباع شركة "نوباسيد" التي كانت وقتها فرس الرهان العالمي في إنتاج البذور، وهي أيضا كانت واحدة من ألف إنجاز لسيادة النائب.
** طبعا أدت الحملة الإعلامية والصحفية، دورها بدرجة لم تكن سوزان تحلم بها، وذلك بإدارة "فهمي"، ومساعده "كوبري"، ووقتها أيضا مجدي أحمد حسين، ليقتنع المصريون (متعلم ومثقف وعادي وجاهل) بأن يوسف والي سرطن الزراعة.
** حكمت المحاكم العلمية، وصدقت عليها هيئة القضاء بمحاكمها الجنائية والإدارية، ببراءة الرجل من تهمة "سرطنة الزراعات"، لكن ما حفرته ماكينة الإعلام في عام، لم تمحه برامج ومقالات قليلة في قنوات متفرقة وصحف شتى، خلال ثلاثة عقود من الزمن.
** ولتفسير البراءة، كانت دودة القطن قد استفحلت في مصر، والذهب الأبيض وقتها كان ثروة مصر، وكان وقود إضاءة بيوت الفلاحين، وحجر الزاوية في علاقاتنا الدولية ببريطانيا وأمريكا والصين وروسيا، فأمر "والي" باستيراد مبيد قوي اسمه "تيميك"، وهو مبيد شديد السمية، ولا يتكسر إلا بعد 180 يوما في الخلية النباتية، ما يعني حفظ المحصول من دودة أوراق القطن، ومن دودة اللوز الشوكية.
** ولأن القطن عمره يزيد على 270 يوما في الأرض، وكونه محصولا لا يؤكل، فقد أوصت وزارة الزراعة وقتها، بقيادة "والي"، برش هذا المبيد على القطن فقط، وكتبت على العبوة كل التوصيات التي تضمن سلامة استخدامه (للقطن فقط).
** ولأن الفلاح عادة ما يخرق القوانين ويتجاوز التعليمات، استخدمه للموز قبل حصاده بأقل من 60 يوما، ووضعوه في أرض البطيخ التي يثمر محصولها بعد أقل من 100 يوم، والبطيخ كان هو المصيبة الكبرى.
** لماذا استخدمه المزارعون في الموز والبطيخ بالذات؟
- لأن المحصولين معرضان للإصابة بآفة النيماتودا المدمرة لكافة المحاصيل، ولا يبيدها فعلا غير التيميك.
** نعود للبطيخ "المصيبة"، فهذه الثمرة كما نعرف تتكون من نسيج إسفنجي قوامه الماء بنسبة تزيد على 90٪، أي أن المبيد الذي لم يتكسر بعد، ينتشر في نسيج الثمرة كله، وقد شهدت هذه الفترة تحويل آلاف الحالات البشرية إلى المستشفيات بفعل التسمم الغذائي، بعد تناول البطيخ، ما كان دليلا دامغا، رغم كذبه، على صدق حملة (سوزان - فهمي - كوبري - حسين)، ليصدق الجميع بأن يوسف والي "سرطان الزراعة".
** العجيب أن النيماتودا قد استفحل أمرها في مصر، والتيميك لايزال يعبأ ويباع من بئر السلم ومن فوق السلم أيضا في وضح النهار، وتُخلَط به معظم المبيدات، خاصة المتخصصة في إبادة ذبابة الخضروات والفواكه، لأنه الوحيد الذي يحقق للمزارع غايته في موت الذبابة فورا أثناء الرش، وهو لا يعرف أن المبيد مغشوشا بالتيميك، وحتى لو عرف، فلن يغير من سلوكه شيئ.
** غارت سفينة سوزان، وبقي "فهمي" متمنيا الموت فلا يأتيه، وظل "كوبري" مسخا مشوها يتشكل في ألف وجه ووجه من برنامج إلى غيره، ومن قناة إلى غيرها، وغاب مجدي أحمد حسين وراء أفكار جماعته الماسونية، وبقي "سيادة النائب" راهبا في صومعة هادئة، خالية من أي وسائل حديثة للاتصال، يحج إليها تلامذته من العلماء يوميا، ولا يأبه أو يسعد بأي عيار تكريمي في هواء لوثه الحقد، واستوعب سمومه نسيج الجهل المتسع.