أيادي المنتجين .. السلاح الأقوى ضد الجوع
محمود البرغوثي الأرض
لا يخفى على صانع القرار في أي دولة نامية، خاصة مصر، أن صغار المنتجين، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هم قاطرة التنمية في عصب اقتصادها.
وليس أكثر على مؤشر الأهمية، من منتجي الأغذية في مصر، سواء فلاحين أو مربي دواجن وماشية وأصحاب مزارع أسماك وصيادين، حيث لا يقل عددهم أبدا في مصر عن نحو 50 مليون شخص، ويعيش على حصاد أيديهم كل من ينتمي إلى "أم الدنيا".
والغريب في بلدنا الأمين، أن تعليمات رئيس الجمهورية التي تترجِم هذا الفكر، لا يقابلها مسؤولون تشغلهم ترجمة هذا التخطيط، بالعمل الدؤوب للحصول على طحين حقيقي خلف ماكينات لا تتوقف عن الدوران ليل نهار، وتستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال.
وحتى يكون للحديث معنى، نذكر أمثلة حية، ليست في الزراعة فقط، وإنما في أنشطة ترتبط بها أيضا:
- لا تزال الجهات المسؤولة عن تقنين أراضي الظهير الصحراوي تنظر إلى المغامرين نظرة بوليسية مفادها اتهامهم بالاعتداء على أملاك الدولة، بدلا من تقديم الدعم المعنوي، لتعينهم على النحت في الصخور، وتحويل الرمال الصفراء القاحلة إلى مساحات خضراء، تفيد التحسن البيئي، ثم الأمن المجتمعي بتوفير فرص العمل، وهو أمن اقتصادي قومي بمعول إنتاج الأغذية.
- لا تزال الجهات ذاتها تتعامل مع ملفات المنتجين بازدواجية معوّقة، ضاربة بالقانون عرض الحائط، وأعني بهذا النموذج معاملة الفدان المخصص للإنتاج الداجني والحيواني والسمكي، معاملة تجارية من حيث أسعار الخدمات (كهرباء، مياه، وغاز)، رغم وجود قانون ملزِم باعتبارها وحدة منتجة زراعية، لإعفائها من الضرائب العقارية، ومحاسبتها على استهلاك الطاقة بنفس تسعيرة كهرباء ري الزراعات.
- مع التنويه والإعلان الدائمين عن تسهيل إدخال المستثمرين الصغار ضمن نظام "الشمول المالي" الرسمي للدولة، لا يزال مربي الدواجن والماشية الصغير مثلا، بعيدا عن طرق الترخيص وتقنين الوضع والحال، بإصدار بطاقة ضريبية وسجل تجاري، خوفا من شبح مأمور الضرائب، وهذا النموذج يتعدد بعشرات الآلاف بين صغار منتجي الدواجن وبيض المائدة وحظائر الماشية، الذين يفضلون التربية داخل عنابر غير مرخصة، خوفا من فتح "حنفية" الإكراميات و"السُحت" الذي احترفه بعض مفتشي الجهات المخول لها بذلك.
ـ معظم الزارعين ومربي الدواجن والماشية والأسماك، يفتقدون أمان الكيانات الحاضنة، مثل الاتحادات الرسمية، أو الجمعيات النوعية، مثل تعاونيات الزيتون، أو الموالح، أو البطاطس، أو الدواجن، أو الماشية، وحتى السمكية، كما لا توجد جمعيات تسويق مؤهلة لتعظيم منتجاتهم، التي تجسد دعامة الأمن الغذائي والاقتصادي والمجتمعي.
ـ لا يزال المزارعون في مصر بعيدين عن الثقة التامة في خطط الدولة، فيما يخص الخريطة المحصولية الواجب اتباعها، حتى يمكن التوازن والربط بين الإنتاج المتوقع، واحتياجات السوق، والقدرة التصديرية.
ـ لا تزال الزراعة في حاجة إلى تسهيل الاستثمار في لوجستيات تخزين الحاصلات الطازجة، مثل: الموالح، المانجو، الجوافة، الفراولة، الخوخ، والمشمش، وحتى البطاطس، حيث أن عنابر التبريد المتاحة حاليا، لا تكفي 40 % من الطاقة الإنتاجية لقطاع الزراعة، مع العلم أن الاستثمار في هذا المجال يحقن هدرا لا تقل نسبته عن 30% من الإنتاج بسبب التداول السيء ما بعد الحصاد.
خلاصة القول: لا يدعي مسئول ما أو جهة بعينها وضع آليات تنفيذ واقعية لتحسين وضع المنتجين في مصر، مالم تتدخل الدولة ممثلة في الوزارات المسئولة عن الأمن الغذائي والاقتصادي المصري، لحماية المنتِج من الخسائر، حتى يجد المواطن ما يأكله بسعر عادل، ويجد الفلاح ما يعينه على الإنتاج المربح.