ماذا يعنى فشل الملىء الثانى لسد النكبة الحبشى ؟
د. أحمد أبو كنيز الأرض
و انفض غبار الملىء الثانى لبحيرة السد الحبشى عن الفشل فى تحقيق المستهدف منه فنياً وأستراتيجياً.
فالخطاب الذى ارسله وزير المياه الاثيوبى فى الخامس من يوليو 2021 الى نظيريه المصر و السودانى كان فحواه انهم سوف يبدؤن الملىء الثانى طبقاً للجدول على النحو التالى 6.9 مليار متر مكعب خلال شهر يوليو 2021 ثم 6.8 مليار متر مكعب خلال أغسطس 2021 بالاضافة الى 4,9 مليار متر مكعب من العام الماضى فيكون اجمالى ما سيتم تخزينه بنهاية أغسطس 2021 هو 18,4 مليار متر مكعب. على أن تمر المياه أعلى الحاجز الأوسط بنهاية النصف الاول من أغسطس 2021. ومن الواضح أن خطاب الوزير الحبشى فى ظاهره يبلغ دولتى المصب بما سيتم حتى تأخذا احتياطاتهما لهذا الامر, لكن ما بين السطور اراد ان يقول سنملأ بدون اتفاق ملزم رغم رفضكم و بنهاية الملىء سيتحول السد الى قنبلة مائية متوسطة الحجم وتكفى لان تحرصوا انتم على سلامة السد وليس نحن.
و بالرغم من اعلانهم ذلك كان هناك كثيراً من الشك يحوم حول قدرتهم على انجاز ما أعلنوه, فمنسوب الحاجز الاوسط للسد كان في ابريل ٢٠٢١ ارتفاعه 564 متراً و استمروا فى التعلية حتى وصلوا الى ارتفاع 572 مترا بالرغم من انهم يستهدفون الوصول الى 595 متراً حتى يتمكنوا من حجز الكمية المستهدفه , لكنهم لم يصلوا لهذا الارتفاع. معنى ذلك ان مياه الفيضان ستمر فوق الحاجز الاوسط قبل الوصول الى تخزين الكمية المستهدفه, و هو ما حدث بالفعل ففى 19 يوليو 2021 أعتلت مياه الفيضان الحاجز الاوسط مما دعى الاحباش الى سحب آلات ومعدات البناء و الرفع للحاجز الاوسط من موقعها و بما يعنى توقف التخزين بعد اسبوعين من ابتداءه ,الامر الذى يفضى الى تخزين حوالى 2 مليار متر مكعب من المياه, أى أن اجمالى المياه التى تم تخزينها خلال العامين حوالى 7 مليار متر مكعب مياه, وهنا خاب ظن الاحباش فلن تدور التربينات لتنتج الكهرباء و لم يتحول السد الى قنبلة مائية بل صار (بومبة) يمكن السيطرة عليها بسهولة.
و بالرغم من ذلك فقد تم الاعلان عن نجاح الملىء الثانى للسد وذلك لاسباب داخلية او للاستهلاك المحلى حيث الانتخابات ولرفع معنويات الشعب المثقل بالحروب الاهلية و ما حدث من هزائم متتالية و مذلة للجيش الفيدرالى أمام قوات قومية التجراى و بدء تحرك قوميات اخرى منها بنى شنقول و أروميا و ربما يتوالى انفرط العقد الحبشى الهش فى قادم الايام.
ولكن ماذا بعد؟
بفشل الملىء الثانى لم يتحول السد الى قنبلة مائية على السودان و مصر حمايته حتى لا تتضررا من انهياره, وبالتالى لم يحم السد نفسه و هذا ما كان يأمله الاحباش.
كما ان الاحباش تصرفوا من جانب واحد فى عملية الملىء الثانى بدون اتفاق ملزم وهذا يوضح انهم غير جادين او غير مكترثين بتضرر مصر و السودان من ملىء و تشغيل السد و ربما يتعمدوا ذلك.
لم تتعاط اثيوبيا مع النوايا الطبية المصرية السودانية وعدم ممانعتهما من تحقيق التنمية للشعب الاثيوبى, بل تصرفت بسوء نية واضحة. كما اتسم خطاب السياسين و الصحافين الاحباش الذين يتحدثوا عن السد بالتعاظم و العنجهية بمجرد البدء فى الملىء كأنما يقولوا لنا لتذهبوا الى الجحيم , و لن ننسى تصريحات وزير المياه الاثيوبى بعد انتهاء الملىء الاول قوله لقد تحول النيل الازرق الى بحيرة اثيوبية داخلية.
لم يراع الاحباش ان مصر و السودان ظلتا فى حالة ضبط نفس طويلة الامد و اصرتا على حل الامر بالتفاوض بحيث يكون الجميع مستفاد و غير متضرر من بناء و تشغيل هذا السد الكارثى.
اما مصر و السودان كانهما لا تريان التعنت الاثيوبى و لديهما الامل كل الامل ان يحن الحبشى عليهما باتفاق ملزم للملىء و التشغل , ولعلهما نسيتا او تناستا التجربة الاليمة لدولتى الصومال و كينيا مع اثيوبيا فى شأن مماثل, ولكن ربما الاقدار اعطت مصر و السودان فرصة تاريخية للتصرف بما يحفظ حقوقهما.
ان فشل الملىء الثانى يعطى مصر و السودان فرصة مدتها سنة كاملة من الآن لفعل ماهو من مصلحة شعبيهما, اما بالوفاق و الاتفاق و اما بالصدام و الاصتدام , ولن تجد فرصه اسهل من ذلك فاثيوبيا تجتاحها حروب اهلية طاحنة. وعلينا ان لاننس وصية الفرعون المنحوتة على جدار مقياس النيل بمعبد حورس بادفو بل غالباً سنضر الى تنفيذها و لدينا بالتأكيد المقدرة على ذلك. و انا منتظرون.