روح يوسف والي تهب من قبر الفيوم إلى الجمعيات الزراعية
قراءة فنية في جولة وزارية لـ«علاء فاروق»
كتب: محمود البرغوثي:رافقتُ العديد من وزراء الزراعة في جولاتهم وزياراتهم الميدانية، سواء المفاجئة، أو المرتبة، ولم أكن معنيا بقراءتها سياسيا أو فنيا، بقدر ما كنتُ مهتما بتغطيتها كصحافي، أو تأطيرها في قوالب للنشر كمتحدث إعلامي للوزير الأسبق الأستاذ الدكتور عادل البلتاجي عام 2014.
لكن في الجولة التي وصلتني صورها اليوم، للوزير الحديث الطازج علاء فاروق على جمعيات زراعية في المنوفية والبحيرة، كثيرا من الجوانب التي تستأهل القراءة بعيني ناقد تشكيلي، ومحلل نفسي، لا بعيني صحفي.
موكب وزاري بلا تشريفة مكلفة
اقرأ أيضاً
- وزير الزراعة يفاجئ الجمعيات الزراعية بالبحيرة والمنوفية لمتابعة توافر الاسمدة
- علاء فاروق يوجه بتجريب قمح صيني في مصر يُنتِج 5 أطنان للفدان
- وزير الزراعة يناقش مع أعضاء مجلس النواب استراتيجية الوزارة وخطتها خلال الفترة المقبلة
- وزير الزراعة يستقبل السيد القصير بمقر الوزارة في العاصمة الإدارية الجديدة
- وزير الزراعة يواصل استقبال المزارعين: توجيهات رئاسية بتقديم كل الدعم لكم
- وزير الزراعة يجتمع مع قيادات الهيئة العامة للإصلاح الزراعي
- وزير الزراعة: تطوير الإرشاد وإحياء المدارس الزراعية أهم أولوياتي
- مزارع يطالب بإعادة النظر في تشريعات الحجر الزراعي وحماية الأراضي.. فيديو
- «المركزية للبساتين» تطالب وزير الزراعة بفتح ملف استصلاح الأراضي ولجنة لتطوير القطاع.. فيديو
- برنامج «الأرض» لـ«وزير الزراعة الجديد»: ملف تصدير الحاصلات الزراعية أولوية.. فيديو
- عضو اللجنة العليا لتنظيم الصناعة: سننتخب رئيسا فعليًا لاتحاد منتجي الدواجن.. فيديو
- وزير الزراعة الجديد يستقبل عددا من المزارعين في أول يوم عمل
أولا: لا ضجيج بروتوكولي مصحوب بتشريفات عددية تُكسِب المشهد هالة من الرهبة على موكِب مدجج بالنظارات السوداء، أو الرؤوس الحليقة المخيفة، ولا حراسات أمنية ممن يجتهدون في توسيع الطرق بالنظرات الحادة، ولا نفر ممن تزدحم بهم جولات الوزراء من أصحاب الياقات المنشّاة، والجواكت اللامعة في عز الحر، ولا أكثر من شخصين يتسمان بالبساطة التي تريح كل من تعامل مع ديوان وزارة الزراعة سنوات عديدة مضت.
أولهما: المهندس مجدي عبد الله - الخبير ذي العينين الماهرتين في مجال التقاوي والأسمدة، وكل ما يتعلق بشؤون الخدمات الزراعية، وهو رجل يتسم بالدبلوماسية الذكية والمهنية الصارمة التي اكتسبها من عمله كمهندس زراعي تدرّج من وظيفة مشرف حوض حتى وكيلا أولا لوزارة الزراعة.
وثانيهما: الأستاذ محمود الأعرج المسؤول عن المركز الإعلامي للوزارة، صاحب الخبرة الطيبة - وإن كانت ليست طويلة - في مجال تنسيق المعلومات وصبها في قالب إعلامي رسمي للوزراء، خلال حِقَب ثرية في قصر وزارة الزراعة، منذ الدكتور أيمن فريد أبو حديد، والدكتور صلاح هلال، ثم ما تلاهما من وزراء لم يسجلوا علامة تلزمني بذكر أسمائهم في هذا المقام.
جولة وزير فاعل
الجولة الأولى التي نفذها علاء فاروق وزير الزراعة الطازج، اليوم، تعيد إلى الأذهان جولات الوزراء الثقال، وأولهم راهب الزراعة المصري الدكتور يوسف والي - يرحمه الله.
المهندس مجدي عبد الله بتيشيرت عملي، حاضنا أجندة الملاحظات يسارا، ومحمود الأعرج يمينا مؤانسا ومكملا لعزوة متواضعة، محلها التقدير، والأهم في وصف هذه الزيارة وبالنظر خارج أسوار الجمعية الزراعية المستهدفة، لا نقرأ سوى فاتورة متواضعة قوامها "صفيحة" بنزين استُهلِكتْ في مهمة الرجل ذهابا وإيابا، على غير التشريفات التي تتسلح برتل من المصفحات ذات الإثنى عشر سلندرا، والتي تحرق وقودا يكفي لإدارة عنبر دجاج صغير.
ربما يكون تقديري للرجل ضاعف من حجم تفاؤلي بتواضع الزيارة الفاعلة، لكن ما يدعم يقيني تلك الصور الأخرى التي يظهر فيها الوزير فاردا ذراعيه كموظف عتيد، وفاتحا الدفاتر الورقية القديمة التي هي سجلات الزمن العتيق، فاحصا وممحصا، من باب الاطمئنان على سلامة صرف الأسمدة الآزوتية المدعمة للمستحقين، وليس للتجار، كما هو مُتداوَل في دهاليز التعاونيات الزراعية.
علاء فاروق الأول
نحو 1645 يوما، أضاء علاء فاروق المبنى الزجاجي العملاق للبنك الزراعي المصري، المقابل تماما بحداثته العصرية لحدائق نادي الصيد الأرستوقراطي بعبقه الطبقي، دون أن نرى تلبكا مروريا، أو صخبا مصطنعا لدخول رئيس البنك منطقة الدقي أو خروجه منها، ليتوازى تماما مع النظام الذي اتبعه المرحوم يوسف والي في ذهابه وغدوه من بيته إلى الوزارة يوميا، والشاهد هنا أن الرجل كان يعمل للبنك من خارجه، وليس من محيطه الزجاجي مكيف الهواء، وهذه صورة علاء فاروق الأول - أي قبل أن يصبح وزيرا للزراعة.
علاء فاروق الثاني
لست أبالغ، ولو زاد المعلقون في اتهامي بالمجاملة، حين أقول إنني شممت رائحة يوسف والي اليوم، رائحة الاجتهاد في زيارة الجمعية التي عكست جدرانها المتهالكة، ومكاتبها الحديدية "العهدة"، حالة من الإصرار على فتح مخازنها وخزائنها، ليدرك الرجل - في تصوري، أهمية أن يأخذ على عاتقه مهمة تطوير مباني هذه الجمعيات، وميكنة أعمالها، وتحديث آليات تفاعلها مع الفلاحين، سواء فيما يخص صرف مستلزمات الإنتاج، أو تقديم خدمات الدعم الفني والإرشاد، وأيضا تقوية عضدها في حماية الرقعة الزراعية من التعديات، سواء بالبناء، أو التبوير العمدي، أو بمشاريع خاصة يزعم أعضاء البرلمان أنها "للنفع العام".
تفاؤل حذر
كثيرا ما تفاءلنا بوزراء زراعة لم يوفقهم الله لإضاءة نقطة مظلمة، أو شطب مظلمة وقعت على رأس مزارع، أو مربي ماشية أو دواجن أو أسماك، وليس لديَّ ثمة مانع من فتح باب التفاؤل مرة أخرى لمسؤول شممتُ فيه رائحة العزة، ووجاهة القصد، وسماحة الروح، وقد اتفقت كلها لتعكس على صفحة وجه الرجل حالة من الشبع، بحيث يزين المنصب ولا يغتر به، أي لا تتضخم ذاته، ولا تأخذه العزة بالإثم، مع تمنياتي له بأن يقضي ما كتبه الله له من أيام في هذا المنصب، واضعا نصب عينيه "العرض الأمين" .. فهو المنجي بإذن الله إلى بر الأمان.