اكتشاف مادتين بيولوجيتين للتنقية بأسلوب علمي جديد
كشف بحثي جديد لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي في الري الآمن
كتب ـ شعبان بلالكشفت كلية الزراعة جامعة عين شمس، عن نتائج أبحاث جديدة في مجال معالجة مياه الصرف الصحي بطرق جيدة آمنة، تتيح استخدام المياه المعالجة في زراعات آمنة على نطاق الغابات الشجرية في مصر.
وقال الدكتور عبدالغني الجندي خبير الري المصري الدولي، وأستاذ الري في كلية الزراعة ـ جامعة عين شمس، إن الأساليب الجديدة جاءت بعد ثبوت تلوث التربة المنزرعة بمياه الصرف الصحي المعالج بالطرق التقليدية، وعدم جودة الأخشاب الناتجة عن الزراعة بها، حيث تم التوصل إلى مركبين بيولوجيين نجحا في معالجة مياه الصرف الصحي الأكثر ملوحة في منطقة رأس سدر، والجبل الأصفر.
وأوضح الجندي أنه تمت معالجة مياه الصرف الصحي بالمادتين الجديدتين، اللتين تخضعان للتسجيل الرسمي حاليا، بنسبة تتراوح بين 70 و80 % للـ BOD، وبنسبة تتراوح بين 80 و85 % للـ COD، إضافة إلى إزالة العناصر الثقيلة مثل الحديد، بنسبة تتراوح بين 60 و70 %، والزنك بنسبة 50 ـ 60 %، كما يمكنها التخلص من نسبة تتراوح بين 70 ـ 75 % من الميكروبات المرضية التي تصيب التربة المروية بمياه الصرف المعالجة بالطرق التقليدية.
وأشار الجندي إلى أن النتائج الجديدة تكتسب أهميتها من اتساع الرقعة الصحراوية في مصر، حيث تبلغ مساحة مصر نحو مليون كيلو متر مربع، لا تزرع منها طبيعيا سوى 4.03 %، بمصادر المياه الطبيعية المتوافرة، والمعروفة.
وأفاد الجندي في تصريح لـ "الأرض" أن المادتين البيولوجيتين الجديدتين، تتيحان تحقيق طفرة علمية جديدة في زراعة الغابات الشجرية بمياه الصرف، بعد أن ثبت عمليا أن إنشاء الغابات المستدامة في مصر باستخدام مياه الصرف الصحي المعالج، يحقق سرعة نمو للأشجار تعادل أربعة أضعاف ونصف المعدل الطبيعي في بيئات أخرى خارج مصر.
وأفاد الجندي أن تسجيل المادتين الجديدتين، وإنتاجهما بكميات تجارية، يتيح معالجة نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا من مياه الصرف المعالج، بالأسلوب الجديد الآمن والمجرب.
وأشار الجندي إلى أن الأسلوب الجديد الآمن، لمعالجة مياه الصرف الصحي بالمادتين الجديدتين، يتيح لمصر محاكاة مشروع إنشاء غابات مستديمة في مصر، مثل المشروع القومي الذي تم بالتعاون مع جامعة ميونخ التقنية، والممول من الهيئة الألمانية للتعاون الدولي.
كما تم استخدام قش الأرز في تنقية مياه الصرف الصحي، والذي كان حرقه يؤدي إلى مشاكل بيئية تتعلق بالسحابة السوداء، حيث تم عزل 80 % من العناصر الثقيلة في مياه الصرف الصحي بواسطة قش الأرز، ما يعني الاستفادة منه بدلا من حرقه، وذلك لتعظيم قيمته كمنتج ثانوي، في إنتاج مياه صالحة للزراعات الخشبية، وإنتاج الغازات كوقود حيوي، إضافة إلى إنتاج السماد البلدي من مخلفات المعالجة.
وأضاف الجندي أن مصادر المياه الطبيعية في مصر، لا تعطي الفرصة الكاملة لزراعة المزيد من الأراضي الصحراوية، حيث تقف حصة مياه مصر من نهر النيل عند 55.5 مليار متر مكعب، قابلة للنقص بعد البدء في ملء سد النهضة الإثيوبي، كما أن مياه الأمطار لا تتجاوز 1.3 مليار متر مكعب، إضافة إلى 8.9 مليار متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة والموسمية.
وتشمل مصادر المياه غير التقليدية، وفقا لما هو ثابت: مياه الصرف الزراعي بكميات تبلغ نحو 7.4 مليار متر مكعب، ومياه صرف صحي معالج بنحو 5 مليارات متر مكعب، وتحصل عليه مصر من عدة مصادر، أهمها: المنازل، والفنادق، والمباني الحكومية، والعسكرية، والمطاعم والمقاهي، والمنشآت التعليمية والصحية، وباقي الجهات العامة والخاصة، والمحلات التجارية والخدمية، ومحطات الوقود وغسيل السيارات، إضافة إلى المشاريع الإنشائية والصناعية بمختلف نوعياتها ومجالاتها.
وفي ظل عدم تقدم مصر في مجال تحلية مياه البحار، إلا بنسبة قد لا تصل إلى مائة مليون متر مكعب فقط، تعظم الحاجة إلى ابتكار أساليب جديدة، وعمل أبحاث مكثفة لمعالجة المزيد من مياه الصرف الصحي بالأساليب الجديدة، الآمنة، لاستخدامها في زراعات شجرية آمنة، مثلما حدث في مشروع إنشاء غابات مستديمة بالتعاون مع جامعة ميونخ التقنية، بتمويل من الهيئة الألمانية للتعاون الدولي DAAD، لإنشاء غابات مستدامة في مصر.
وأوضح الجندي أنه بالإمكان إنتاج الطاقة من مياه الصرف الصحي، واستخدام جزء منها أيضا في تحسين معالجة الصرف الصحي بالكامل (5 ـ 6 مليارات متر مكعب سنويا)، لتنجح هذه الكمية في تشجير نحو 650 ألف هكتار من صحراء مصر، بما يعني أكثر من 1.5 مليون فدان غابات شجرية، تعظم اقتصاد مصر من الصحراء، ومياه الصرف الصحي، وتفيد أيضا في تحسين مناخ مصر، حيث تخزن ثاني أكسيد الكربون، الذي يساعد على تكوين السحب، وتساقط الأمطار الطبيعية.
وأفاد الجندي أن من أهم إنجازات المشروع المشترك بين جامعة ميونخ التقنية، والممول من daad، إنشاء حقول إرشادية للتنمية المستدامة للغبات باستخدام التقنيات الزراعية الحديثة، وإدخال أصناف جديدة عالية الجودة، مثل: أشجار الـ "تك"، وذلك لتدريب وبناء قدرات العاملين والنفيين في مجال الغابات، وذلك في كل من: غابة سرابيوم في الإسماعيلية، وغابة الغردقة في محافظة البحر الأحمر، وغابة الأقصر.
ومن أهم إنجازات المشروع أيضا، وفقا للدكتور عبد الغني الجندي: موافقة لجنة قطاع الدراسات الزراعية في المجلس الأعلى للجامعات على إنشاء برنامج بكالوريوس الغابت والأشجار الخشبية في كليات الزراعة المصرية، وإعداد برامج بحثية للدراسات العليا، باستخدام نتائج المشروع البحثي لجامعتي عين شمس وميونخ التقنية، إضافة إلى توفير درجات علمية للماجسيتر والدتوراه وما بعد الدكطتوراه، وإعداد برامج تدريبية قصيرة المدة، واستخدام التعليم عن بعد بمشاركة الجامعات المصرية وجامعة ميونخ التقنية.
وشارك في بحوث إنتاج المادتين الجديدتين، كل من: الدكتور عبد الغني الجندي، والدكتور سيد إسماعيل والدكتورة إيمان مختار (من جامعة عين شمس)، إضافة إلى الدكتور أحمد إبراهيم من مركز بحوث الصحراء، وعرضت نتائج تجربة المادتين في معالجة مياه الصرف الصحي في الجبل الأصفر ورأس سدر، في مؤتمر علمي في القاهرة في الثاني عشر من ديسمبر الماضي، برئاسة الدكتور حسين العطفي وزير الري الأسبق.