الهيافة
بقلم: مأمون الشناوى ضربة جزاء الزمالك ، زواج طارق عامر ، وفاة والد أبو تريكة ، أحداث هى الأخطر فى حياتنا هذه الأيام ، نفسح لها مساحات هائلة من الإعلام والبرامج والثرثرة ، فتعكس أهم علامات وأعراض الهيافة والتنطع فى أى مجتمع ؛ فكلما كان المجتمع تافها وعاجزا وكسولا كلما طفت على السطح مثل تلك التوافه ، وشغلت الناس وضجت بها المقاهى والمنتديات هروبا من جديات الأمور ومشكلات الحياة الحقيقية ! .
كان القساوسة فى عصور الانحطاط والظلام ، ماقبل عصر النهضة ، يقضون أياما طوالا فى مناقشة قضية يحسبونها خطيرة ومصيرية مثل " كم ملاك من الملائكة يمكنه أن يمر من ثقب الإبرة " وتنعقد الكنائس والمجمع المسكونى لحسم الخلاف الرهيب ! .
وقد رأيت بأم عينى مجموعة من السلفيين يتخانقون ، ويكادون يفتكون ببعضهم ؛ لخلافهم حول " كم يبلغ طول اللحية الشرعى " ! .
وفى مدينة " تورنتو " بكندا ، وفى أحد مساجدها ، تدخل رجال الشرطة بالكلاب البوليسية لفض تشابك بالأيدى وضرب بالأحذية بين مجموعة من المغالين المتطرفين ، اختلفوا حول " جواز الوضوء بالجورب أو بدونه " وعندما احتجوا على اقتحام الكلاب للمسجد قال لهم كبير الشرطة " ان كان هذا المكان مقدسا كما تزعمون ، فلماذا لم تراعوا قداسته انتم ؟! " ! .
وقفت مصر كلها على قدم واحدة ، لعدم احتساب ضربة جزاء للزمالك ، وسهر الإعلام حتى الصباح تهليلا ومدحا وقدحا فى زواج طارق عامر ، وانقسم الوطن إلى شراذم تفسفس وتتهم بعضها بالخيانة عندما مات والد اللاعب محمدأبو تريكة ولم يتمكن أو لم يسمح له بالمشاركة فى عزاء والده ! .
وقد نسينا شهداءنا ، فى سيناء ، ثلاثة ضباط كبار قتلوا غدرا فى يومين ، ونسينا ترك الأخوة المسيحيين بيوتهم فى العريش قسرا تحت تهديد الإرهاب الأسود ، ونسينا سد النهضة ونقصان مياه النيل ، ونسينا لهيب الأسعار ، وكأننا أطفال فى إحدى الرياض ، تركوا حصة الدرس ، ونسوا مستقبلهم ، واندفعوا مهرولين إلى الشارع عندما سمعوا زمارة بائع الحلوى ، أو طبلة بائع البالونات ، وسط اندهاش معلميهم ، والناس جميعا ! .