إلى ”شيوخ” مصر: الفلاح هو الأرستقراطي
بقلم: محمود البرغوثىمع التردد الدائم أسبوعيا على مسئولي وزارة الزراعة، تقع عيناي في كل زيارة على متابعات جادة يومية من رئاسة الجمهورية مباشرة، لأحوال البلاد والعباد من بوابة "الغذاء" .. الأمن القومي الحقيقي، ما يجعلني رهن الحيرة، من النقيضين: اهتمام رئيس الدولة بكل كبيرة وصغيرة تتعلق بشؤون الناس من جهة، ومن جهة أخرى خسائر منتجي الأغذية، وهم اللاعبون الأساسيون في الفريق القومي الحقيقي لمصر.
مؤكد أن هذه المعلومة غائبة أو محجوبة عن دوائر الرئيس، الذي عرف المقربون منه أنه يكره الفشل، فأي قائد، حتى لو كان قائد فريق كرة قدم، لا يتمنى الخسارة، فما بالك أن يكون القائد رئيسا لدولة مثل مصر؟
ولأن الرئيس السيسي بطبعه، ووفقا لتصريحاته، يكره الخسارة، فيجب أن يتطوع كل مواطن جسور بإهدائه نتيجة المعادلة المحيّرة التي تحكم الاقتصاد الزراعي المصري، وهي: زراعة جادة + إنتاج عال = خسائر.
اقرأ أيضاً
- السيسي يوجه بتحديد سعر للقمح يحقق عائداً اقتصادياً مجزيا للفلاحين
- المهندس حامد الشيتي: ”شورى رفيق الفلاح” وأعز أبنائي .. واستعنت بالفنان إيهاب نافع في رش المبيدات بالطائرة
- سويلم يتفقد مشروعات الري بالشرقية ويهنأ الفلاحين بعيدهم
- 8 سنوات من الدعم والتمكين.. الفلاح المصري شريك الدولة في مواجهة تحديات الأمن الغذائي..إنفوجراف
- السيسي لفلاحين مصر في عيدهم الـ70: ستظل توجيهاتي للحكومة ببذل كل الجهود لدعم الفلاح
- وزير الزراعة يهنئ الفلاح المصري بعيده ال 70
- اللجنة العليا للأرز: 150 نقطة لجمع 1.5 مليون طن من الفلاحين وآلية جديدة لتوريد الأرز
- وزير الزراعة يوصي بتشديد الرقابة على تسعير التقاوي وتداولها
- ردا على استفسار مزارعين فقدوا ”كارت الفلاح” البنك الزراعي يصدر ”ميزة فلاح”
- الزراعة: صرف الأسمدة بالحيازة الورقية وإستخراج تالف كارت الفلاح من البنك الزراعي
- السيسي: عندي حلم بتغيير رؤوس الماشية لدى الفلاحين بأخرى مطورة
- ٥ حشرات صديقة للفلاح.. تعرف عليها
ومع عودة مجلس الشورى المصري تحت مسمى "مجلس الشيوخ"، وجب على كل من يعرف حقيقة الفلاح أن يجلو الغبار الذي تراكم على اسمه ورسمه وقيمته، خلال فترة استوردت مصر فيها القطن، والأرز، ونخشى أن يصل الحال فيها إلى استيراد الجرجير والبصل، لتربو حفنة من المستوردين على جثث ملايين من المنتجين.
فاستمارات استبيان حالة الدواجن واللحوم، والبيض، والأرز، والسكر، والدقيق، وغيرها حتى الخضروات، مطبوعة على مكاتب رؤساء القطاعات، ونائب الوزير، ليكون الواجب اليومي المهم لهم ولمساعديهم، تعبئة هذه الاستبيانات، وإرسالها إلى مكتب رئاسة الجمهورية.
تمنيت لو يسأل الرئيس ذات يوم عن أرقام الخانة الغائبة في هذه الاستمارات، المتمثلة في عمود تكلفة الإنتاج، فربما تكون النتيجة الحقيقية هي الخصم من الرصيد، وبالتالي هدم قطاع الزراعة، وليس تنميته، كما هو الهدف المنشود لرب الأسرة، ورئيس الدولة، وقائد الفريق.
ما قصدته هنا، نفض الغبار عن مسمى "الفلاح" وقامته التي تعرضت للنحت بفعل الفاقة الناجمة عن خسائر أرضه وقطعانه من الدواجن والماشية والأغنام، ولن أستعير وصفا بعيدا عن قاموس السياسة المصرية الأصيلة، كما لن أغوص في القواميس لاستعارة معان فلسفية تُظهِر معنى الفلاح، لكن يكفيني ما قاله الرئيس الراحل أنور السادات، في أولى أسابيع تنصيبه مطلع سبعينيات القرن الماضي: إن العنصر الراقي أو الأرستقراطي في هذا البلد هو الفلاح، لأنه "صانع الحياة".
استطرد الرئيس السادات ـ يرحمه الله ـ في وصف الفلاح، وتبرير منحه لقب "الأرستقراطي الوحيد"، لأنه أصل مصر: "هو أصل العامل، هو أصل المثقف، هو أصل الجندي، وأصل الحياة .. هو العنصر الراقي الأرستقراطي، وليس البشوات".
وفي حوار تلفزيوني على إحدى فضائيات مصر، قال العالم المصري الدكتور إسماعيل عبد الجليل، رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق، والمستشار الزراعي المصري في الولايات المتحدة الأسبق، إن السادات كان سابقا لعصره، حينما وصف الفلاح بهذا الوصف في أوائل السبعينيات، ثم تأتي لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة عام 2008 لتعيد الوصف بالتمام والكمال، بأن الفلاح هو "مانح الحياة".
ما قاله السادات تعرض للنسيان خلال نحو أربعة عقود مرت من عمر مصر، لكن ما وثقته لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة عام 2008، تمت ترجمته واقعيا في أوروبا والولايات المتحدة، بتقنين حافز للفلاح، ليس دعما على إنتاجه الغذائي، ولكن تحفيزا لبقائه في الأرض، زارعا ومفلحا، وسببا في كسائها باللون الأخضر، الذي يمتص نحو 35 % من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن النشاط الإنساني عامة.
وحتى نضع أعضاء مجلس الشيوخ الجدد في مضمار المسئولية، فإن في أعناقهم أمانة إعادة الفلاح إلى مرتبته التي جعله الله فيها، كونه صاحب الأيدي العليا النتجة، مانحة الحياة، كونه تخطى مهمة إشباع البطون بما ينتجه من غلال، ولكن بما يتسبب فيه من التوازن الكوني للأرض، وعدم اختلال البيئة، بإنتاج الأكسجين نهارا من الرقعة التي أنبتت خضرة على يديه، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون ليلا بواسطة نباتاته التي زرعها.
لجنة التنمية المستدامة في وصفها الفلاح عام 2008 بأنه "مانح الحياة"، تأخرت نحو 38 عاما عن وصف الرئيس الراحل أنور السادات، الذي أمعن في توصيف الفلاح المصري بأنه الراقي والأرستقراطي الأول في مصر، ومنذ توثيق هذا الاسم تحت سقف مبنى الأمم المتحدة، حظي الفلاح الأمريكي والأوروبي بنظام التحفيز، ليظل الفلاح المصري محكوما بنظام العقاب.
ـ من يزرع الأرز خارج المنظومة، سيتعرض للحبس والغرامة، لكن في أمريكا وأوروبا: من لم يخالف النظام الزراعي المعمول به في البلاد، سوف يُمنَح زيادة في دعم الأسمدة والوقود.
طال الحديث عن خسائر الفلاح المصري في كل الزراعات، فحتى الحاصلات التصديرية لم تفلت من خانة الخسارة، ليجد مزارع البطاطس أنه سيبيع الأرض ذاتها، لسداد ديونه، ليلحق بذلك من تجاسر وزرع الطماطم، كما أن الفلاح التقليدي الذي لم يخرج من دائرة القمح والأرز والذرة، ذاق كل المرارات، وليس مربي الدواجن والماشية والأغنام وزارع الأسماك، ببعيد عن الهم والغم، ما يوجب وضعهم جميعا كأعضاء أساسيين للفريق القومي الحقيقي المصري، في خانة الاعتبار.
ـ ليس من الطبيعي أن نترك أكثر من 25% من سكان مصر، وهم يحققون 11 % فقط من إجمالي الناتج القومي في مصر .. البلد الأغنى في العالم بمواردها الطبيعية والبشرية، فيما يحقق فلاحو إثيوبيا 35 % من الناتج القومي الإجمالي في بلدهم الفقير.
كانت صورة الفلاح المصري تُطبَع على ورقة البوسطة في الخمسينيات، أما الآن، فلا يخلو كشف جزاءات ولا أحكام بالسجن منه، على الرغم من وصفه بأنه مانح الحياة، وأنه الأرستقراطي الأول في مصر، على لسان رئيس فلاح سابق لمصر، ثم بوثيقة رسمية في الأمم المتحدة، فهل يعي "شيوخ مصر" القيمة الحقيقية للفلاح؟