كيف تتخلص من الجوع العاطفي.
كتبت: الدكتورة امال صبريمن أهم المفارقات التي تستوقفني، العلاقة بين بحث النفس عن سعادتها وبين شقاء الجسد وأمراضه.
فغالباً ما تكون العلاقة بينهما، علاقةً طردية، أي كلما زاد بحث النفس عن سبل السعادة، إزداد شقاء الجسد، وخاصةً إذا اجتمعت نفس بائسة حائرة مع عقل لا يعي لغة الجسد الذي يقطنه ولا يفرق بين نداءاته الحقيقية، وتلك المزيفة.
النفس دائماً تطمح لنيل أي مكافاة، على أمل الشعور بالسعادة، وغالباً ما ترتبط السلوكيات الخاطئة، الخاصة بالطعام والشراب والصحة بأوقات ممتعة مع صحبة محببة، كالأصدقاء أو الأقارب، فتعتبرها النفس مكافأة.
فإذا ارتبط التدخين بأوقات الراحة" البريك" أثناء العمل، فهذه مكافاة.
كذلك يعد الإفراط في تناول الطعام والمسليات أثناء مشاهدة المسلسلات، مكافاة. وأيضاً الجلوس لساعات طويلة على الموبايل لممارسة حياة خيالية مريحة خالية من المسؤوليات الحقيقية، يُعَد مكافاة.
ويُعتبر كل ما سبق شكلاً من أشكال الجوع العاطفي.
إذاً الحرص على الفوز بمكافأة النفس والرغبة في البقاء في منطقة الراحة، هما الدافعان الحقيقيان خلف كل السلوكيات الخاطئة، وهما السببان الرئيسيان للصراع القائم بين اتباع الهوى وتقويم النفس.
وترجع أسباب البحث عن مكافاة النفس، تبعاً للأبحاث والدراسات على فئات مختلفة من البشر، إلى افتقاد النفس للثقة أو للتقدير أو لعلاقات ناجحة مع المحيطين أو للأهداف والقيم، أو الوقوع فريسةً لضغوط الحياة، مما يُعطل وعي العقل وإدراكه للتأثير السلبي للسلوكيات الخاطئة على الجسد والنفس أيضاً، ويُحدث خللاً في قراءته لاحتياجات الجسد، فمثلاً نجده يترجم الاحتياج للفاكهة، على أنه احتياج للحلويات، وذلك لأنه قد تم برمجته على ذلك من قبل النفس المشتتة.
وتكون النتيجة، هي استمرار دوران النفس في دائرة الأخطاء المغلقة، بحثاً عن سعادة مؤقتة، إلى أن تتوقف مجبرةً على أعتاب الأمراض المزمنة.
وذلك يفسر استمرار الكثيرين في ممارسة العادات والسلوكيات الخاطئة رغم علمهم بعواقبها الوخيمة، كالاستمرار في التدخين مع علم الجميع بعلاقته بسرطان الرئة، والاستمرار في تناول الوجبات السريعة بدهونها المهدرجة والمشبعة ومحتواها العالي من السعرات الحرارية والسكر والملح، مما يؤدي للسمنة وارتفاع نسبة دهون الدم الضارة وارتفاع الضغط والإصابة بأمراض القلب والسكري، وكذلك الحلويات والمشروبات الغازية، التي توهن العظام وتسبب هشاشته.
وقد يختفي الخوف في هذه الرحلة حتى من الموت، كما يحدث الآن في عدم مبالاة الكثيرين بالكورونا والتحرر من اتباع كل الوسائل الاحترازية ضدها، وربما يرجع ذلك لإجهاد النفس الباحثة عن السعادة دون جدوى.
والحل لهذه الظاهرة المدمرة يكمن في التعرف على النفس والبحث داخلها، وليس في الخارج عن أسباب ألمها ومعرفة احتياجاتها الحقيقية وتواصلها تواصلاً واعياً مع العقل لإعادة برمجته وتحديد أهدافاً حقيقية له يسعى لتحقيقها، كالرغبة في النجاح والتميز في العمل أو الدراسة أو العلاقة بالأخرين، أو الرغبة في تغيير نمط الحياة لنمط حياة صحي، أو الأمل في التوقف عن تناول أدوية السكر والضغط، باتباع أنظمة غذائية علاجية، وهكذا إلى أن تنكسر دائرة الاحتياج المغلقة.
ولضمان الاستمرارية في التغيير، وعدم التراجع في ذلك لابد من عمل تقرير يومي، تكتب فيه كل ما حققته ولم تحققه خلال اليوم في كل النواحي، وهي أفضل طريقة للتقييم الدائم لأداءك، ولاكتشاف نقاط الضعف والقوة في شخصيتك، ولعلاج أسباب الفشل، حينها ستجد السعادة الحقيقية ولن تحتاج لمكافآت خارجية بعدها.