معضلات واقعية لمنع تداول الطيور الحية
بقلم: محمود البرغوثي الأرض
زاد اللغط خلال الأيام العشرة الماضية حول نية الحكومة لتطبيق القانون 70 لسنة 2009، والقاضي بمنع تداول الطيور الحية، أي بمنع بيع الدواجن بكل أنواعها في محلات الذبح والتنظيف الفوري.
الموضوع قد يبدو بسيطا حين يُطرَح للنقاش على مائدة اجتماع حكومي في الإدارات المعنية بصناعة الدواجن، أحد أهم ركائز الأمن المجتمعي بما توفره من نحو 3 ملايين فرصة عمل، معظم أصحابها لا يحملون مهارات فنية تصلح لتوظيفها في مجالات أخرى.
اقرأ أيضاً
- صناعة الدواجن بلا أب شرعي
- جمعية تطوير صناعة الدواجن: السماسرة حققوا مكاسب كبيرة على حساب المربي والمستهلك
- حوار البيض و”الفشفاش”
- طبق بيض «يكسف».. واقتراح للبنك الزراعي
- تسريبات بيض المائدة
- الدواجن والبيض .. البروتين المظلوم
- مواصفة واجبة للدواجن واللحوم
- أرز ودجاج .. طبخة الحرب على أوكرانيا
- تعذيب صغار منتجي القمح
- الأرض تنعى الحاج عوض محمد العدل وتعزي أسرته
- القمح والدجاج على ميزان الأسمدة
- خسائر الدواجن لصالح من؟
ربما لا يدرك المسؤولون الحكوميون أن أكثر من 50٪ من الاستثمارات الدوارة في صناعة الدواجن عبارة عن قروض من مدخرات 100 مليون مصري لدى البنوك، وبالتالي تصبح قضية الحفاظ على مكتسباتها الحالية، وتنميتها، همًا يشغل كل مصري بلغ سن الرشد.
هذه القروض لن يسددها في النهاية سوى مقترضوها من المربين على كافة مستوياتهم، سواء كان عملاقا متكاملا، أو مجرد صاحب عنبر مفتوح يحتوي على ألفي دجاجة، لكن المائة مليون مصري مسؤولون أدبيا عن حماية أصحاب هذه القروض من المخاطر التي تواجههم، وأقلها السجن، وأوسطها المرض، وأعظمها الموت حسرة وكمدا.
وإذا كان المسؤولون عن مناقشة الظروف التي تستوجب منع تداول الطيور الحية مأخوذين بصفحة واحدة من مذكرة الدواعي الفنية للتطبيق، فيجب لفت انتباههم إلى أن الصفحة الثانية تحمل عدة معضلات واقعية يجب قراءتها جيدا، ومحاولة التوقف عند أي منها، لتحديد الآليات التي تعين على اتخاذ قرار المنع، أو التنظيم، وهي كالتالي:
* كيف تحل مشكلات:
1- توفير محفظة مالية للمجازر تكفي لدفع ثمن القطعان لدى صغار المربين فوريا؟
2- نقل الحي من العنابر إلى المجازر في مناطق ندرتها، خاصة في الوادي والدلتا، مع العلم أن حجم هذا الإنتاج يبلغ نحو 60٪ من إجمالي إنتاج مصر يوميا؟
3- إصدار شهادة "سليم وخال من الأمراض" من خمسة معامل فقط على مستوى الجمهورية، منهم 2 فقط في الصعيد، وتفصل بينهما مسافة 600 كم؟
4- تجهيز أساطيل النقل المبرّد في عموم مصر؟
5- معالجة السبلة ونقلها من طول البلد وعرضها للاستخدام كسماد زراعي؟
6- لوجستيات نقل المبرد والمجمد من المجازر إلى سلاسل الإمداد؟
7- تحويل محلات ذبح الدواجن الحية في مدن مصر وقراها ونجوعها (نحو 50 ألف محل) لبيع الإنتاج اليومي مبردا ومجمدا (نحو 3.2 مليون دجاجة يوميا)؟
8- ذبح أمهات التسمين والبياض والبط والرومي والحمام والسمان والعصافير؟
* وأخيرا:
9- تغيير سلوك المستهلك جبريا للتخلي عن شراء الدجاجة حية لذبحها أمام عينيه؟
** بعد الإجابة على هذه الأسئلة، يجب استذكار الدروس المترتبة على محاولة فاشلة سابقة لتطبيق القانون، وذلك في القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة) والإسكندرية.
يومها، خرج محافظ كفر الشيخ ليقبض على 6 سيارات نقل دواجن حية في أقفاصها، ثم يذيع تفاخرا كيف طبق القانون وأوقف مخالفين تجرأوا على نقل الدواجن الحية من عنابر تربيتها إلى محلات بيعها للمستهلكين، في قرى ومدن محافظة لم يشملها القرار بعد.
* إذن نحن أمام عشوائية منتظرة لتطبيق القانون 70، قبل تنظيم هذه الصناعة، وضبط جميع حلقاتها المتصلة بطريقة تؤدي إلى انهيارها كليا، إذا انفك منها لحام حلقة واحدة بالقوة الجبرية.
* والنتيجة المتوقعة للتطبيق الجبري: ارتباك بين حلقات الإنتاج والتسويق والتوزيع والبيع، لتنشأ فجوة سلعية هائلة في المعروض، مع تعرض القطعان المحلية لتخطي عمر البيع الطبيعي، والتعرض للنفوق الكلي حال ظهور مرض عارض.
* في نهاية نطاق التطبيق الجبري للقانون قبل تنظيم الصناعة ورفع وعي المستهلك، بأهمية الحفاظ على الصناعة الوطنية، ماليا واجتماعيا، سيفتح الملعب كل أجنحته أمام قوافل الدجاج المستورد، وذلك بالإغراق الرخيص أولا، ثم بفرض الدلال في خطوة لاحقة بعد خروج صغار المربين من سوق التربية، لخسائرهم الفادحة، لنجد سعر كيلو الدجاج مقاربا لسعر اللحوم الحمراء.