الشجرة المباركة والماء
بقلم م. محمد الخولي
شجرة الزيتون شجره مباركه ولها خصائص تتفرد بها ولكل أجزائها أدوار حيويه فى غاية الأهميه تساهم فى مد عمرها لألآف السنين. يتوج هذه الأجزاء بدور مميز أوراقها٬ التى تمنح باقى الكائنات ومنهم البشر الأكسوجين٬ (مثلها فى ذلك مثل كل النباتات)٬ والذى لولاه لما كان لهذه الكائنات أن تظل على قيد الحياه٬.
ولكن تظل أوراق الزيتون لها خصائص تنفرد بها٬ فدعونا نعرفها سويًا.
أوراق أشجار الزيتون سميكة وجلدية ومرتبة بشكل متقابل٬ كل ورقتين يشكلون حرف V والورقه بيضاوية الشكل مستطيله ولها طرف مدبب وعرق وسطى واضح وعروق عرضيه دقيقة٬ وتصل الورقة للنضج والعمر الكامل على مدار سنتين وخلال هذه الفترة يتغير لون السطح الخارجى تدريجيا وبسرعه من الأخضر الفاتح إلى الأخضر الغامق نتيجه لإرتفاع صبغ الكلوروفيل فيها لأسباب بيولوجيه هامه. السطح العلوى عليه طبقه شمعيه (وذلك لحكمه إلهيه سنتعرف عليها بعد قليل). السطح السفلى فضى اللون مما يُعطى الأشجار مهابة ولونًا رائعا جذابا عندما يحرك الهواء الأغصان.
مثل بعض النباتات التى يمكنها تحمل العطش فالثغور المسؤلة عن النتح تقع على السطح السفلى وليس العلوى٬ وهو مغطى بشعيرات ميكروسكوبيه متعددة الخلايا٬ لا تُرى بالعين المجرده٬ تُسمى
التريكومات (Trichomes) وهى نموات خارجيه تنشأ من خلايا البشره الخارجية لللأوراق وهذه الشعيرات درعية الشكل (Peltate hairs) وفى المجمل فهذه الخواص المرفولوجيه وهبها الله لأوراق أشجار الزيتون لتحد من فقد الماء بسرعه فى عملية النتح٬ ولذلك فهى تتحمل الجفاف لفترات طويله نسبيًا. الأوراق المسنة التى يتراوح عمرها بين سنتين وثلاث تتساقط إما فى الخريف أو الربيع وبالأخص فى الربيع، إذ يتحول لونها للأصفر ثم تسقط. البعض قد ينتابه القلق من ظاهرة الأوراق الصفراء ولكنها تكون بشرى بمحصول جيد. ذلك لأن فى تلك الفتره يكون هناك تنافس على مخزون الأشجار من الكربوهيدرات المصنعه٬ من قبل عدة مستهلكين، اهمهم دورة نمو الأزهار وعقد الثمار ويليها فورًا مرحلة إنقسام خلايا الثمره وتحجر البذور وكلها مراحل مجهده جدا يتواكب معها مرحله نمو خضرى ربيعيه لأغصان وأوراق جديده فلا تستطيع الأوراق المسنه الدخول فى سباق الحصول على الغذاء وتنتهى حياتها لأن البقاء للأقوى والأصغر.
هناك معلومه يعلمها القله٬ وهو أن شجرة الزيتون تستطيع وبجداره أن تعتمد على نفسها فى الحصول على كميات معقوله من المياه تروى بها ظمأها وتبقيها على قيد الحياة لشهور طويله لحين أن يصل لها الماء بالوسائل المعروفة سواء من الأمطار أو الرى. هذه الظاهره رأيناها كثيرًا فى الثمانينات وحتى منتصف التسعينات عندما كان الهدف من زراعة الزيتون الإستفاده بتقنين الأرض طبقًا للقانون ١٩٨١/١٤٣. أشجار توضع فى الأرض بدون رى وتكافح للبقاء لشهور.
اقرأ أيضاً
- فوائد استخدام تقنية الفوج «الفوج» لمكافحة دودة براعم أوراق الزيتون
- الزراعة: لمزارعي الزيتون والعنب والطماطم والفلفل .. احذروا من هذه الأجراءات
- بحوث الهندسة الزراعية ينحج في تصميم وحدة لأنتاج الكربون النشط من مخلفات الزيتون
- قافلة ”إيفر جرو” تفتح ملف مزارع ”الهاشمية”
- الفوائد الصحية للتين المنقوع في زيت الزيتون
- د. محمد فهيم: 50 ساعة برودة رصيد زيتون وادي النطرون حتى 16 ديسمبر
- خبير دولي: عجز 800 ألف طن من إنتاج العالم يفاقم أسعار زيت الزيتون
- خبراء زيتون: لا تبيع الزيت بأقل من 150 جنيها للكيلو
- الأسلوب المثالي لتقليم أشجار الزيتون.. مزارع يسأل
- خبراء الزيتون يدعمون التوجه إلى أصناف الزيت
- التغيرات المناخية وفقر الأرض من المحتوى العضوي .. سببان لتراجع إنتاجية الزيتون
- رشة التخزين ومكافحة النيماتودا والأعفان والملوحة تضمن الإنتاجية المثالية للزيتون
ولكن كيف يحدث ذلك ومن أين تحصل الجذور على الما؟
- للإجابة على هذا السؤال لابد لى أن أرجع للوراء قرابة 50 عاما وبالتحديد منتصف السبعينات لأن عملى بالبترول فى الطبيعه القاسية لصحارى مصر والأقل حدة فى بحارها أهلنى لأتعامل أولا مع الطبيعه ثم لاحقًا مع أشجار الزيتون، بطريقه جديده وغير تقليديه. عندما عملت بصحراء مصر الغربيه٬ كنت وزملائى من المهندسين والجيولوجيون نصطاد الغزلان فى وقت الفجر بإستخدام البطاطين. وهنا سيسأل سائل ومعه كل الحق: بطاطين إيه يا عمنا٬ طب بلاش تقول طلق نارى٬ بس قول مثلًا بنبله أو بحجر أو بقوس وحربه. لأ بالبطانيات يا عزيزى السائل. كنا نخرج فى "قول" مكون من 3 سيارات بيك أب أو إثنين على الأقل وعلى الصندوق يجلس فرد أو إثنان، ومعهم عدد من البطاطين. سيارة قيادة القول دورها أن تطارد الغزال لتجبره على أن تكون الريح خلفه وليس أمامه (اتجاه الرياح السائدة فى مصر تهب من الشمال الغربي).
الغالبية تتصور وبالمنطق، أن الغزال تكون سرعته أعلى إذا ماكان الهواء خلفه كقوة دافعة وهذا خطأ كبير.
عندما يجري الغزال مواجهًا الهواء، تمتلأ رئتاه بالأكسوجين بدون انقطاع ودونما مجهود يستفذ طاقته وعندها يستطيع الجرى بسرعة تصل 80 كيلو متر فى الساعه٬ أى أن سرعته تكون أسرع أحيانًا من السيارة التى تطارده خاصة على الغرود (الكثبان الرملية).
وإذا نجح قائد "القول" على إجبار الغزال لتغيير اتجاهه بحيث يكون الهواء خلفه سيجري لمسافة قصيرة، ثم يُجهد فيتوقف للحظة فى مكانه ليتعرف على اتجاه هبوب الريح. عند هذه اللحظه يتم إلقاء بطانية أو اثنتان عليه.
- وما علاقة صيد الغزال بشجرة الزيتون، وكيفية توفيرها للمياه بنفسها لتروي ظمئها؟
* لنبدأ بالغزال، والإجابة دائما واحدة ومنطقية لمن ليس لديه حل اللغز.
- يقول البعض من عين مياه، ويقول آخرون من عصارة النباتات التي يأكلها، وإذا لم يتواجد كلاهما أصبحت معضلة ولقي الغزال حتفه لا محاله. - تبنيتُ نظرية مما كنت أشاهده أن كافة الكائنات الحية فى الصحراء القاحله، ومنها الغزال، والجربوع، والثعلب، والثعابين، والطريشة، والعقارب، والطيور، تلعق الزلط والحجارة الموجودة على سطح الأرض خلال فترة الفجر، وهي الفترة التي تتكثف فيها الرطوبة على الرمال فتمتصها فورا وعلى الأجسام الصلبة فتبقى قطرات المياه لفترة قبل سطوع الشمس وارتفاع درجة الحراره. كنت أقول ذلك وما صدقنى إلا القليلون. بعد سنوات شاهدت على ال BBC فيلما لثعبان يظل طول الليل يسعى وراء الطرائد وقبل الفجر يلتف حول نفسه كالكعكه ويظل ساكنًا حتى لو إقترب منه فأر سهل صيده. الجلد المغطى بالحراشيف تصبح المجاري الناتجة من لفته حول نفسه ممتلئة بالمياه فيلعقها، ثم فى النهايه يلعق آخر نقطة متكثفة على عينه.
شجرة الزيتون تلعق نفسها من خلال تزويد الأوراق للتربه (التى تحتوى على جذورها) بالمياه. ولنعود لمورفولوجيا الأوراق ذات السطح الشمعى والطرف المدبب والمحموله على أغصان مرنه جدا تشبه فى ليونتها أغصان الياسمين٬ ولا غرابه فى ذلك فكلاهما من العائلة الزيتونيه (سنعود لهذه العلاقة إذا ما تحدثنا عن تقليم الزيتون بنظريات كونتها وتبنيت تطبيقها). هذه الأغصان تتدلى فى إتجاه الأرض بصفة عامه وبالأخص عندما تحمل الثمار. كثافة الأوراق على شجره بالغه تكون مجتمعه مسطحًا بعشرات الأمتار المربعة وربما تتجاو ذلك بكثير وعليها تتكثف رطوبة الفجر والصباح الباكر٬ ومن ثم تشكل كل ورقه حاضنه طبيعيه لبضع قطرات من المياه تنساب من الطرف المدبب والطبقة الشمعية الحاملة لها والتى لن تمتصها إلى سطح التربه فتلعقها الجذور وبذلك تستمر الشجره فى عطائها، وسبحان من خلق كل شئ فسواه وعدله. ذات مرة في منتصف التسعينات كنت أزور أصدقاء لي من بدو الساحل الشمالي، والذين تبقى لهم النذر النذير من أشجار الزيتون فى بقع تنازلت لهم عنها جحافل الخرسانات فى غزو أطلقوا عليه وعيب عليهم "القرى السياحية" وسألت هؤلاء البدو: كيف تحصل أشجار الزيتون التي تخصكم على المياه بعد موسم الأمطار.
رد الجميع قائلين: من مياه أمطار الشتاء التى تحتفظ بها التربة وأحيانا كل 3 – 4 أسابيع نرويها بجرار إن استطعنا الحصول على مياه من خط مطروح.
قلت: سنصلى الفجر سويًا ثم نذهب لأحد وديان الزيتون. فعلناها وفوجئوا بكمية المياه الموجودة على سطح التربة لدرجة أن الساق الخشبي ارتفعت فيه المياه لمنسوب 25 - 30 سم بفعل الخاصة الشعرية وعندى صور كثيرة لهذه الظاهرة كنت أعرضها في محاضرات بتلك المنطقه من خلال مشاريع البنك الدولي وصندوق الخدمه الإجتماعية ومشاريع ال GTZ الألمانى. وتظل مشكلتى العثور على مراجعى الشخصية فى عشرات ال hard disks.
…….
* خبير دولي في علوم الزيتون