”سلامة غذاء” .. أم ”تكسير” عظام مصدّرين؟
بقلم: محمود البرغوثىلا أحد يرفض أن تكون مصر بين قائمة الدول التي تحظى بهيئة قومية لسلامة الغذاء، حتى تدخل قائمة "الدول البيضاء" في سجل التصدير العالمي.
لكن أن ننتظر مولودا أكثر من 20 عاما، ونتحمل آلام مخاضه، ثم يأتي مشوها، فهذا ما يصيب أهله بالغصة، وضيق الصدر، حتى وإن كان مجرد شهادة نرفقها بملف أو نعلقها على الحائط في برواز.
وجود هيئة لسلامة الغذاء في أي دولة، تفرضها قوانين دولية، التزاما بدستور الغذاء العالمي، الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية "فاو"، وهي الاتفاقية الموازية أو التوأمة لاتفاقية الصحة النباتية "كودكس"، ولكل منهما اختصاصات تحددها لائحة تنفيذية، ويجمع بينهما في الحلال "الحجر الزراعي"، بصفته الممثل الشرعي والقانوني الدولي لمنظمة الـ "فاو".
يتناسى رئيس الهيئة أو يتجاهل، أن دورها الحقيقي هو تدقيق كل ما هو غذاء موجه للاستخدام الآدمي، أو الحيواني أو السمكي، لأن العنصرين الآخرين سوف يتحولان أيضا إلى غذاء آدمي، لتتحدد واجبات رجالها في الكشف على الأغذية المصنعة فعلا للتناول، مثل: اللحوم والأسماك والألبان، والخضروات والفواكه، في منافذ بيعها، إضافة إلى الأعلاف في محلات توزيعها، بعد أن ينتهي تدقيقها في المركز الإقليمي للرقابة على الإغذية والأعلاف، التابع لمركز البحوث الزراعية.
للأسف، يترك رجال هذه الهيئة دورهم الحقيقي، لتفننوا في صياغة قالب يأخذ شكل اللائحة، ويخاصم مضمونها المتعلق بالكشف على كل ما هو غذاء لتدقيق طريقة تصنيعه، وتعبئته، وتخزينه، ثم عرضه، وذلك قبل وصوله إلى فم المستهلك ومعدته.
تفرغ هذا الجهاز "مهيب الركن" لمتابعة الاشتراطات والبنود التي وضعتها الهيئات المثيلة في السعودية وبعض الدول الأخرى، للمصانع التي ينبغي لها أن تصدّر ناتج حاصلاتنا البستانية والحقلية إليها، للدرجة التي بلغ فيها عدد البنود الواجب توافرها في مصنع يحصل على شهادة "هيئة سلامة الغذاء السعودية" نحو 138 بندا، لا تؤهل لأكثر من الوصول إلى أسواق المملكة، كأنها عقد إزعان، وشروط تعجيزية لا نقابلها بالمثل في أي معاملات أخرى، حيث لا نستورد أغذية أو حاصلات بستانية من السعودية.
اقرأ أيضاً
- مرثية لخالد سعودي: ذبحه قلبه السليم
- 1.4 مليار طائر مصري .. من يحرق أجنحتها؟
- زرعنا وأفلحنا.. فما أسباب خسارتنا؟
- تاريخ تدمير التربة المصرية عمدا
- الارض تنعى المهندس سيد محمود البرغوثى
- إلى ”شيوخ” مصر: الفلاح هو الأرستقراطي
- بعد استيراد ”كنسة” المجازر الأجنبية للمصريين .. ماذا بعد!؟
- غدا على مصر الزراعية. الأرض تفتح الملف المسكوت عنه إضافات الاعلاف
- عن ”الفرخة” التي نبشت القبة وهزت عرش الحكومة
- أرباح مافيا استيراد الدواجن .. وخسارة مصر
- يا ابو قلب جامد .. عاوز سعر البصل كم؟
- عرق الفلاخ .. النخب الحلو في كؤوس التجار
هذه الاشتراطات، أو "المانفستو"، دفع المصدرين وأصحاب مصانع الأغذية، لإدارة ظهورهم إلى الدول التي تعمل الهيئة معها على طريقة "ملكي أكثر من الملك"، مثل السعودية والخليج العربي، وهي الدول الشقيقة التي بالغت في شروط صادراتنا من الحاصلات الزراعية أو الغذائية عامة، لدرجة أنها ترفض معاملتها بالحاصلات أو الصادرات اليمنية مثلا.
وحتى لا يظن رئيس الهيئة، وهو عالم من الطراز الأول، وحائط سد منيع ضد الفساد والفاسدين، حتى لا يظن أن هذا المقال موجه ضد جهوده "غير المطلوبة"، فسوف أذكر أمثلة تدفعنا لخبط رؤوسنا في الجدار، منها: أن البصل اليمني لايزال يدخل إلى السعودية عبر الميناء البري فوق جرارات شحن مكشوفة، ومحمل في أجولة تتفق مع اسمه "بصل"، أما البصل المصري، فمطلوب من مصدريه أن يحافظوا على اسمه كـ "بصل"، مع إكسابه مواصفات التفاح.
لا يوجد طرد تصديري يخرج من مصر إلا بالكشف عليه وإصدار شهادة تخصه برسوم مالية، من هيئة سلامة الغذاء، على الرغم من إصدار شهادة فحص "الحجر الزراعي"، وشهادة صحية من المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، و"الأول" هو الجهة الرسمية دوليا، المنوط بها هذا الاختصاص، ضمانا لـ "الصحة النباتية"، و"الثاني" هو المكمل لمنظومة "سلامة الغذاء"، وحاصل على المرجعيات الدولية المؤهلة لهذا الغرض.
ـ تترك الهيئة شغلها الرئيسي الخاص بتدقيق كل غذاء ناتج عن حاصلات زراعية، أو ثروة حيوانية، أو داجنة، أو سمكية، وحتى لو كانت أغذية مصنعة، لتتلقاها المحلات بأرففها، وثلاجاتها، ومخازنها، دون كشف من هذه الهيئة، كونها لا تضمن تحديد الجهة التي ستدفع رسوم العينات المسحوبة بغرض الفحص.
ـ يذهب المستهلك المصري إلى أسواق الخضروات والفواكه، واللحوم والأسماك، ليشتري حسب خبرته المتعلقة بالذائقة العامة، وباللون والرائحة والملمس، وهو لا يعلم أن هذه المواد التي ستتحول في بيته إلى أغذية، خالية من المسببات المرضية أم لا، ومنها: متبقيات المبيدات، والسموم الفطرية، وغيرها.
ـ يصر رجال هيئة سلامة الغذاء على التواجد في مفارش البصل والثوم، للكشف عن عدد العبوات وأوزانها، دون معرفة ما يحمله المحصول من الداخل، وذلك ليس إلا من باب "إثبات التواجد"، وتحصيل الرسوم القليلة جدا (2.5 جنيه للطن)، لتعظيم "غلة" الهيئة، التي ولدت بلا ميزانيات، ولا درجات وظيفية، وهم لا يعرفون أ…